
في خضم الخلافات الزوجية التي قد تصل إلى طريقٍ مسدود، يبحث كل من الزوجين عن طريقة تحفظ كرامته وتُنهي العلاقة بأقل قدر من الخسائر النفسية والقانونية، ومن بين أنواع الطلاق التي نظمها القانون المصري بعناية، يبرز الطلاق على الإبراء من الناحية القانونية كحلٍّ وديّ يعتمد على التراضي والتفاهم، حيث تتنازل الزوجة عن حقوقها الشرعية مقابل حصولها على حريتها وإنهاء العلاقة الزوجية برضا الطرفين.
لكن ما هو هذا النوع من الطلاق؟ وما الشروط التي يجب توافرها ليصبح صحيحًا أمام القضاء؟ وكيف يختلف عن الخُلع أو الطلاق التقليدي، في هذا المقال سنستعرض الطلاق على الإبراء من الناحية القانونية وفق القانون المصري بشكل مبسط وواضح، مع توضيح أحكامه، وأركانه، وآثاره القانونية، لضمان فهم شامل لكل من يرغب في معرفة هذا الجانب الهام من قوانين الأحوال الشخصية في مصر.
ما هو الطلاق على الإبراء؟ تعريف مبسط
الطلاق على الإبراء بشكل مبسط هو حالة طلاق يتضمن تنازلاً أو إبراءً لأحد الحقوق المالية أو لبعض الحقوق من طرف الزوج أو الزوجة مقابل الطلاق، الصيغة قد تختلف أحيانًا تتنازل الزوجة عن المهر أو جزء منه أو عن مؤخر الصداق مقابل أن يحصل الطلاق، وأحيانًا يقرُّ الزوج بالإبراء أي يتنازل عن مطالبة الزوجة بحقوق معينة كي يُسَمَّى الطلاق "على الإبراء". بعبارة أخرى، الجوهر هنا هو وجود عنصر الإبراء (التنازل أو المغفرة) في سياق فسخ العلاقة الزوجية، ومن المهم أن نميز بين الحالات التالية:
- تنازل الطالبة (الزوجة) عن حقوقها مقابل الخلاص من الزواج (قريب من الخلع).
- تصريح الزوج بأنه "يبرئ" زوجته من شيء، وهو ما قد يحمل معانٍ ومآلات مختلفة شرعيًا وقانونيًا.
الفرق بين الطلاق على الإبراء والخلع: تشابه في الشكل واختلاف في الجوهر

الطلاق على الابراء والـخلع قد يشتركان في مظهر خارجي واحد وهو وجود تنازل مالي مقابل التخلص من عقد الزواج، لكن الفروق الجوهرية مهمة وهي:
- الخلع: هو طلب من الزوجة للطلاق مقابل عوض مالي تدفعه للزوج (عادة يُسترد منه المهر أو جزء منه أو يقدم مقابلًا)، وفي الفقه يُعد حلًا للزوجة التي تريد فكاك العقد دون أن يثبت للزوج خطأٌ يستوجب الطلاق، في كثير من النظم القانونية (بما فيها مصر) الخلع يُجرى أمام القاضي بعد محاولات الصلح ويُحكم به قضاءً إذا ارتأى القاضي توافر شروطه.
- الطلاق على الإبراء: قد يكون أوسع، ليس بالضرورة أن تكون المبادرة من الزوجة أو أن تدفع مالًا، قد يكون الزوج هو المبادر ويعلن إبراءً لحق أو يطلب من الزوجة التنازل مقابل الطلاق بمعنى آخر، الخلع يركز على طلب الزوجة وفداء مالية، بينما الطلاق على الإبراء قد يتخذ أشكالًا متعددة تتعلق بمن يتنازل ومن الذي يُبَرَّأ.
النتيجة الشرعية والقانونية تختلف فحسب، الخلع غالبًا يؤدي إلى بطلان العلاقة الزوجية حسب شروطه، ويترتب عليه سقوط بعض الحقوق مثل نفقة العدة إذا كانت السيدة قد خالعت نفسها. أما الطلاق على الابراء فيحتاج لتدقيق شرعي وقانوني لأن أثر التنازل قد يختلف بحسب المتنازل عنه وتوقيت التنازل وإثبات الإرادة.
أركان الطلاق على الإبراء التي لا يكتمل العقد بدونها
لكل فعل فقهـي أركان تُحدد صحته، وبالنسبة للـالطلاق على الابراء هناك أركان أساسية:
- الركن الأول — الإرادة الصادقة: أن يرد الطرف كلمة الطلاق أو الإبراء بداخل نفسه بلا إكراه.
- الركن الثاني — التلفظ أو الفعل المعبّر: قد يكون لفظًا (قولًا واضحًا بالطلاق مع بيان الإبراء) أو تصرفًا يثبت به الإبراء كتابة أمام المحكمة.
- الركن الثالث — المحل (ما يتم الإبراء عنه): تحديد ما يُبدى الإبراء بشأنه (مهر، مؤخر، نفقة عن العدة، إلخ).
- الركن الرابع — أهلية الأطراف: يجب أن يكون الطرفان أهلا لإبرام التصرف (عاقلًا بالغا مختارًا).
- الركن الخامس — الالتزام الشرعي والقانوني بالآثار: إدراك الأطراف أن لهذا التصرف آثارًا شرعية وقانونية وأنه قد يسقط حقوقًا أو يقرها.
غياب أيٍّ من هذه الأركان يثير الشبهة ويستوجب تدخل القضاء أو الفقهاء لتقويم الوضع.
حقوق الزوجين في الطلاق على الإبراء: من يتنازل عن ماذا؟

الطلاق على الابراء بطبيعته يتعلق بحقوق مالية أو عرفية، الحقوق التي يمكن أن تُثار عادةً:
- المهر (الصداق): قد تتنازل الزوجة عنه كشرط للطلاق، خاصة في حالات الخلع أو عندما تطالب هي بالطلاق.
- المؤخر: في عقود محددة قد يكون هناك اتفاق على مؤخر الصداق، وقد يتنازل أحد الطرفين عنه.
- نفقة العدة: شرعًا، الزوج مسؤول عن إنفاق الزوجة في فترة العدة؛ الإبراء عنها قد يختلف باختلاف التوقيت (هل وقّع الإبراء قبل الطلاق أم بعد؟).
- الحقوق المعنوية أو الاتفاقات الخاصة: مثل تنازل عن السكن أو عن ملكية أشياء مشتركة مقابل الطلاق.
إجراءات الطلاق على الإبراء في المحاكم خطوة بخطوة
في مصر الإجراءات تُحكم بنظام الأحوال الشخصية وممارسات المحاكم، الخطوات العامة تكون تقريبًا كالتالي:
- المحاولة الصلحية: يقدم أحد الطرفين طلبًا للصلح أو يطلب القاضي جلسة صلح وفقًا لقانون الأحوال الشخصية، ويُستدعى أهل الصلح (الأسرة، المشايخ، إلخ).
- تقديم طلب قضائي: إذا فشلت المحاولات، تُرفع قضية طلاق أو خلع أمام محكمة الأسرة أو المحكمة المختصة.
- إثبات الإبراء: يجب تقديم ما يثبت رغبة الطرف في الإبراء — قد يكون إقرارًا كتابيًّا أو شهادة محضر أو أقوال أمام القاضي.
- التحقق من الإرادة: القاضي يَتحرّى عن عدم وجود إكراه أو ضغط، ويطلب جلسات لتبيّن حقيقة وعي الطرف.
- الحكم وتسجيل الأثر: إذا قرّ القاضي بصحة الطلاق والإبراء، يصدر حكمًا أو يُلحق بالحكم قيدًا يُسجَّل في السجلات المدنية.
- تحديد الآثار المالية: المحكمة تحدد مصير المطالبات المالية (نفقة، مؤخر، مهر) بحسب ما ثبت من تنازلات أو ما تقضي به الشريعة والقانون.
من المهم توثيق كل اتفاق شفهياً أو كتابيًا، ووجود محامٍ أو مستشار قانوني يساعد في تأمين الحقوق والتأكد من أن الإبراء لا يُستغل لإسقاط حقوق لا يجوز التنازل عنها بسهولة.
الطلاق على الإبراء في القانون المصري — نقاط تطبيقية وقانونية
في مصر تُحكم قضايا الأحوال الشخصية بقوانين مستمدة من الشريعة والفقه وتوجد إجراءات محددة لمحاكم الأسرة:
- توثيق الصلح والصلح القضائي: يلزم المحاكم محاولة الإصلاح قبل إقرار الطلاق.
- الخلع والطلاق بالتنازل: معترف بهما بشرط ثبوت الإرادة وتوفر القواعد الإجرائية.
- حماية حقوق الأولاد: لا يسمح للمحكمة بأي تنازل يُخالف مصلحة الأطفال أو يخلّ بحقوقهم في النفقة والحضانة إن ثبت حقهم.
- إثبات التنازل والإبراء: يُستحسن أن يُقدم في كتابة أو يُثبَت في محضر رسمي أمام السلطة القضائية لتفادي المنازعات.
- الآثار الضريبية/المدنية: قد تتطلب إجراءات تتبعًا لسجلات الأحوال المدنية وإبلاغ الجهات ذات الصلة.
الفرق بين الطلاق على الإبراء والطلاق بالتراضي: أيُّهما أعدل؟
الطلاق بالتراضي هو اتفاق متبادل على فسخ الزوجية بشروط متفق عليها. بينما الطلاق على الابراء يركز على وجود إبراء أو تنازل عن حقوق، ومن أبرز الفروق الآتي:
- العدالة العملية تعتمد على مدى تساوي القوّة بين الطرفين. إذا كان التراضي نابعًا من مساواة وإدراك مشترك، فإنه أعدل.
- الطلاق على الإبراء قد يتحول إلى أداة استغلال إن كان أحد الطرفين مسيطرًا؛ لكن عند وجود تنازل متفق عليه بحرية فقد يكون حلًا عمليًا.
- بناءً على ذلك العدالة لا تُقاس بالمسمى وإنما بظروف الاتفاق: الشفافية، المساواة، وحماية حقوق الضعفاء (كالنفقة وحقوق الأطفال).
إقرأ أيضا:
أسئلة شائعة حول الطلاق على الإبراء يجيب عنها الخبراء الشرعيون:
هل يسقط المهر بالإبراء دائمًا؟
نعم إذا تنازلت الزوجة طواعية وجرى توثيق ذلك.
هل يؤثر الإبراء على نفقة الأولاد؟
لا نفقة الأولاد حق مستقل لا يسقط بتنازل الزوجة عن حقوقها.
هل القاضي يقبل الإبراء دون تحقيق؟
القاضي يحقق عن الرضا والوعي قبل القبول.
هل يمكن الطعن في إبراء وقع تحت ضغط؟
نعم، يمكن الطعن وإثبات الإكراه.
هل الإبراء يلغي حق الحضانة؟
لا الحضانة تُحدد وفق مصلحة الطفل ولا تُسقط بتنازل مالي.
خاتمة
الطلاق قرار حياتي لا يُستهان به والطلاق على الابراء شكل من أشكال التسوية لكنه يحتاج حكمة، ووعيًا قانونيًا وشرعيًا، وحماية لمصلحة الأطفال والضعفاء، إن أردت خطوة عملية استشر محاميًا شرعيًا قبل أي توقيع، وثّق كل شيء، واحمِ حقوقك.
مصادر مفيدة: