
تُعد النفقة الزوجية من أهم الحقوق التي يقرها القانون المصري للزوجة، فهي التزام قانوني يُفرض على الزوج طالما كانت الزوجة في عصمته وتؤدي واجباتها الزوجية، ويُقصد بالنفقة كل ما تحتاجه الزوجة من طعام وملبس ومسكن ورعاية صحية، وفقًا للمستوى الاجتماعي والاقتصادي للزوج، النفقة ليست منحة أو تفضلًا من الزوج، بل التزامًا قانونيًا نص عليه قانون الأحوال الشخصية المصري باعتبارها وسيلة لضمان الاستقرار الأسري والعدل بين الزوجين.
ومع ذلك، حدد المشرّع مجموعة من الحالات التي يسقط فيها هذا الالتزام، وهي ما يُعرف قانونًا بـ حالات سقوط النفقة الزوجية في مصر، والتي سنعرضها بتفصيل في هذا المقال من زاوية قانونية بحتة.
حالات سقوط النفقة الزوجية في مصر وفق القانون
حدد القانون المصري مجموعة من الحالات التي يسقط فيها حق الزوجة في النفقة، وجميعها ترتبط بسلوك أو موقف قانوني من الزوجة نفسها، ومن أبرزها:
- ثبوت النشوز بحكم قضائي: تعتبر الزوجة ناشزًا إذا امتنعت عن طاعة زوجها أو رفضت الإقامة في منزل الزوجية دون سبب مشروع.
- بعد توجيه إنذار الطاعة لها، وإذا لم تعترض خلال المدة القانونية أو صدر حكم نهائي برفض اعتراضها، تُعد ناشزًا وتسقط نفقتها من تاريخ الامتناع.
- مغادرة منزل الزوجية دون إذن أو عذر مقبول: ترك المنزل دون إذن الزوج ودون مبرر قانوني كالعنف أو الخطر، يؤدي إلى سقوط النفقة، لأن التزام الزوج بالإنفاق مرتبط بإقامة الزوجة معه.
- رفض الانتقال إلى مسكن الزوجية: إذا دعا الزوج زوجته إلى مسكن شرعي صالح وأمنت فيه على نفسها ومالها، وامتنعت دون مبرر، تُعد ممتنعة عن الطاعة وتسقط نفقتها.
- أما إذا كان المسكن غير آمن أو غير لائق، فامتناعها مبرر ولا تسقط نفقتها.
- العمل دون إذن الزوج إذا تعارض مع مصلحة الأسرة: لا يسقط العمل بحد ذاته النفقة، لكن إذا أدى إلى غياب الزوجة المستمر أو تعارض مع واجباتها، جاز للقاضي اعتباره سببًا لإسقاطها.
- السفر دون إذن الزوج أو مبرر مشروع: إذا سافرت الزوجة خارج البلاد دون إذن زوجها ودون سبب قانوني كالعلاج أو العمل الضروري، فإنها تفقد حقها في النفقة لحين عودتها.
- صدور حكم بالخلع أو الطلاق البائن: في حالة الخلع، تتنازل الزوجة عن حقوقها المالية ومن بينها النفقة.
- أما في الطلاق البائن، تسقط النفقة من تاريخ الطلاق، ولا تستحق إلا نفقة العدة إن لم تكن ناشزًا.
سوء السلوك أو ارتكاب جريمة مخلة بالشرف: يجوز للمحكمة أن تقضي بسقوط النفقة إذا ثبت ارتكاب الزوجة جريمة أو سلوكًا قانونيًا يخل بكرامتها الزوجية أو شرف الأسرة.
الإطار القانوني المنظم للنفقة الزوجية في مصر
- ينظم أحكام النفقة في مصر القانون رقم 25 لسنة 1920 وتعديلاته بموجب القانون رقم 100 لسنة 1985.
- نص القانون في مادته الأولى على أن النفقة تشمل الطعام والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج وكل ما يقضي به العرف، ويُقدّرها القاضي وفق دخل الزوج وظروفه.
- إلا أن القانون نفسه أشار إلى أن حالات سقوط النفقة الزوجية في مصر تختلف، إذا أخلّت الزوجة بالتزاماتها القانونية تجاه زوجها، وقد ترك المشرع سلطة تقدير سقوط النفقة أو استمرارها للقضاء، بعد التحقق من وجود سبب قانوني واضح ومثبت بالأدلة.
- وبذلك، تصبح أحكام سقوط النفقة الزوجية في مصر مرتبطة بمدى التزام الزوجة بواجباتها القانونية داخل العلاقة الزوجية.
الشروط القانونية لاستحقاق الزوجة للنفقة

قبل تحديد أسباب سقوط النفقة، يجب أولًا معرفة الشروط التي وضعها القانون لاستحقاقها، وهي ثلاثة شروط أساسية:
- قيام علاقة زوجية صحيحة موثقة بعقد قانوني سليم.
- إقامة الزوجة في منزل الزوجية الذي يجهزه الزوج لها ويكون مناسبًا للسكن.
- عدم وجود مانع قانوني من الطاعة، أي أن تكون الزوجة ملتزمة بواجباتها القانونية تجاه زوجها.
- فإذا توفرت هذه الشروط، استحقت الزوجة النفقة كاملة.
- أما إذا أخلّت بأحدها، فإنها تدخل في نطاق حالات سقوط النفقة الزوجية في مصر التي نص عليها القانون، والتي سنوضحها بالتفصيل في الفقرة التالية.
إجراءات إثبات سقوط النفقة أمام محكمة الأسرة
القانون المصري لا يقبل إسقاط النفقة بمجرد الادعاء، بل يشترط إثباتًا قانونيًا واضحًا ومن أبرز وسائل الإثبات أمام محكمة الأسرة:
- إنذار الطاعة الموجه من الزوج إلى الزوجة.
- محاضر الشرطة أو شهادات الشهود لإثبات مغادرتها المنزل أو امتناعها عن الطاعة.
- الأحكام القضائية السابقة التي تثبت النشوز أو الطلاق البائن.
- ولا تحكم المحكمة بسقوط النفقة إلا بعد سماع أقوال الطرفين والتأكد من صحة الوقائع قانونًا.
- وهذا يضمن عدم تعسف أحد الزوجين في استخدام حقه أو الإضرار بالطرف الآخر.
موقف محكمة النقض المصرية من دعاوى سقوط النفقة
أرست محكمة النقض المصرية العديد من المبادئ التي تنظم قضايا وحالات سقوط النفقة الزوجية في مصر، ومن أبرزها:
- لا يجوز الحكم بسقوط النفقة إلا بعد ثبوت النشوز بحكم قضائي نهائي.
- مجرد الخلافات الزوجية لا تعد سببًا لسقوط النفقة.
- امتناع الزوجة عن الانتقال لمسكن غير صالح لا يُعد نشوزًا.
- العودة إلى الطاعة تُعيد الحق في النفقة من تاريخ العودة فقط.
تلك المبادئ تؤكد أن القضاء المصري يميل إلى تحقيق التوازن والعدالة، فلا يسقط النفقة إلا في الحالات التي يثبت فيها إخلال الزوجة بواجباتها القانونية بوضوح.
أثر الطلاق أو الخلع على سقوط النفقة الزوجية

الطلاق والخلع من أبرز الحالات التي تؤثر على النفقة.
في حالة الطلاق الرجعي، تستحق الزوجة النفقة طوال فترة العدة، لأن العلاقة الزوجية لا تزال قائمة قانونًا.
أما في الطلاق البائن أو الخلع، فتسقط النفقة من تاريخ الحكم، إذ يعتبر العقد منحلًا نهائيًا ولا يوجد التزام مالي بعده.
ومع ذلك، تحتفظ الزوجة بحقوقها السابقة على الطلاق، مثل المتجمد من النفقة قبل الحكم، ما لم يثبت الزوج سقوطها بسبب النشوز.
مدة سقوط النفقة بالتقادم في القانون المصري
- القانون المصري حدد مدة التقادم بخمس سنوات للمطالبة بالنفقة المتأخرة.
- فإذا لم تطالب الزوجة بحقوقها خلال هذه المدة، يسقط حقها في رفع الدعوى للمطالبة بها، وإن بقي أصل الحق قائمًا.
- ويهدف هذا التنظيم إلى تحقيق استقرار المعاملات الأسرية ومنع تراكم الديون القديمة.
التمييز بين سقوط النفقة الزوجية وسقوط نفقة الأبناء
من المهم التفريق بين النفقة الزوجية ونفقة الأبناء، لأن سقوط الأولى لا يعني سقوط الثانية، فنفقة الأطفال واجبة قانونًا على الأب بغض النظر عن وضع العلاقة الزوجية، إذ تقوم على رابطة الأبوة لا الزوجية، لذلك حتى في حالة ثبوت النشوز أو الطلاق، تبقى نفقة الأبناء مستمرة ولا تتأثر بسقوط نفقة الأم.
إقرأ أيضا:
الاسئلة الشائعة حول حالات سقوط النفقة الزوجية في مصر:
1. ماالمقصود بحالات سقوط النفقة الزوجية في مصر؟
المقصود بـ حالات سقوط النفقة الزوجية في مصر هي المواقف التي حددها قانون الأحوال الشخصية، والتي يفقد فيها الزوج التزامه القانوني بالإنفاق على زوجته. وتشمل هذه الحالات النشوز، مغادرة منزل الزوجية دون إذن، رفض الطاعة، العمل أو السفر دون موافقة الزوج، أو صدور حكم بالخلع أو الطلاق البائن.
2. هل يسقط حق الزوجة في النفقة بمجرد الخلافات الزوجية؟
لا، فالقانون المصري لا يعتبر الخلافات الزوجية من حالات سقوط النفقة الزوجية في مصر، النفقة لا تسقط إلا إذا ثبت أن الزوجة أخلّت بالتزاماتها القانونية تجاه زوجها، مثل رفض الطاعة أو مغادرة منزل الزوجية دون سبب مشروع.
3. هل يعتبر عمل الزوجة سببًا من أسباب سقوط النفقة الزوجية؟
عمل الزوجة في حد ذاته لا يؤدي إلى سقوط النفقة، إلا إذا تعارض مع واجباتها الزوجية أو تسبب في ترك منزل الزوجية دون إذن، وفي هذه الحالة فقط، قد يُعد عملها من حالات سقوط النفقة الزوجية في مصر إذا ثبت أنه يضر بمصلحة الأسرة أو يمنعها من أداء التزاماتها القانونية.
4. هل تسقط النفقة عن الزوجة إذا سافرت دون إذن زوجها؟
نعم، إذا سافرت الزوجة خارج البلاد دون إذن الزوج ودون مبرر قانوني مثل العلاج أو الضرورة، يمكن أن تُعتبر حالتها ضمن حالات سقوط النفقة الزوجية في مصر، أما إذا كان السفر لسبب مقبول وبعلم الزوج، فتبقى النفقة قائمة قانونًا.
5. متى تعتبر الزوجة ناشزًا قانونًا؟
تُعتبر الزوجة ناشزًا إذا صدر ضدها حكم قضائي نهائي برفض اعتراضها على إنذار الطاعة، ومن تاريخ هذا الحكم تُعد الزوجة في حالة نشوز، وهي من أهم حالات سقوط النفقة الزوجية في مصر المنصوص عليها صراحة في القانون رقم 25 لسنة 1929.
6. هل تسقط النفقة بعد الطلاق أو الخلع؟
في حالة الخلع، تتنازل الزوجة عن جميع حقوقها المالية، بما فيها النفقة، أما في حالة الطلاق البائن، تسقط النفقة الزوجية من تاريخ الطلاق، مع بقاء حقها في نفقة العدة فقط، وبالتالي يعد الطلاق النهائي أو الخلع من حالات سقوط النفقة الزوجية في مصر بحكم القانون.
خاتمة:
يتضح من مجمل النصوص والأحكام القضائية أن المشرّع المصري حرص على وضع نظام متوازن في حالات سقوط النفقة الزوجية في مصر، يضمن حماية حقوق الزوجة دون السماح بإساءة استخدامها.
فالقانون لم يجعل السقوط تلقائيًا، بل اشترط حكمًا قضائيًا ونهائيًا يثبت السبب القانوني، وفي المقابل منح الزوجة الحق في الدفاع عن نفسها وتقديم مبرراتها القانونية، وهكذا يظل الهدف من تنظيم النفقة في القانون المصري هو تحقيق العدالة الأسرية، لا العقوبة أو الانتقام، وهو ما يعكس نضج التشريع المصري في قضايا الأحوال الشخصية.
مصادر مفيدة: